حين يولد الطفل لا يأتي فقط بجسد صغير
بل يحمل معه بذور شخصية تتشكّل يومًا بعد يوم
وما يزرعه الأهل في تلك السنوات الأولى
هو ما سيزهر لاحقًا في مراهقته وشبابه
الصحة النفسية للطفل ليست رفاهية
وليست أمرًا مؤجلًا لما بعد الدراسة أو النضج
بل هي أساس
أساسٌ يُبنى من اللحظة الأولى التي ينظر فيها الطفل إلى وجه أمه
ويشعر بالأمان أو بالارتباك
أثر البيئة الأسرية على نفسية الطفل
الطفل لا يفهم الكلمات في البداية
لكنه يشعر
يشعر بنبرة الصوت
بحدة الحركة
بوجود التوتر أو غيابه
البيت الذي يسوده الصراخ
يخلق طفلًا قلقًا
والبيت الذي يغيب فيه الحوار
يخلق طفلًا منطويًا
الطفل يحتاج إلى بيئة فيها توازن
لا مثالية
بل واقعية
فيها خطأ واعتذار
فيها نقاش واحترام
وفيها مساحة ليكون هو نفسه
لا نسخة من أحد
أهمية التعبير عن الحب والاحتواء
بعض الأهل يظنون أن الحب يُفهم دون أن يُقال
لكن الطفل لا يقرأ النوايا
هو يحتاج إلى كلمة
إلى حضن
إلى نظرة فيها فخر
حين يشعر الطفل أنه محبوب
يبدأ ببناء ثقته بنفسه
وحين يشعر أنه مقبول حتى في لحظات ضعفه
يتعلّم كيف يقبل نفسه
الاحتواء لا يعني التدليل
بل يعني أن نكون موجودين حين يحتاجنا
أن نسمعه حين يتكلم
أن نصدّقه حين يخاف
كيف نواجه نوبات الغضب والقلق عند الأطفال
الغضب عند الطفل ليس تمردًا
بل رسالة
رسالة تقول
أنا لا أعرف كيف أعبّر
أنا خائف
أنا متوتر
وهنا يأتي دور الأهل
ليس في إسكات الطفل
بل في فهمه
حين يغضب الطفل
لا نصرخ عليه
بل نقترب منه
نسأله بهدوء
نمنحه كلمات تساعده على التعبير
وحين يقلق
لا نقول له لا تخف
بل نقول له
أنا معك
دعنا نفهم ما يخيفك
الصحة النفسية تبدأ من التفاصيل الصغيرة
من طريقة الكلام
من وقت اللعب
من لحظة النوم
من كيف نردّ على أسئلته
من كيف نحتفل بإنجازه الصغير
كل هذه التفاصيل
تُشكّل داخله
تبني عالمه الداخلي
وتجعله يشعر أن الحياة مكان يمكن الوثوق به
خلاصة التجربة النفسية الأولى
الطفل ليس صفحة بيضاء
بل هو صفحة تُكتب كل يوم
بكلمة
بموقف
باحتضان
الصحة النفسية للطفل لا تحتاج إلى طبيب في البداية
بل إلى أهل واعين
يعرفون أن بناء الإنسان يبدأ من الداخل
من شعوره تجاه نفسه
وتجاه من حوله
وكل لحظة فيها حب واحتواء
هي لبنة في بناء شخصية متوازنة
قادرة على مواجهة الحياة بثقة وهدوء
الرأي الأخر
0