في مشهد يعكس انهيارًا أخلاقيًا وإنسانيًا غير مسبوق، كشفت تقارير أممية عن فظائع مروعة ترتكبها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر السودانية، حيث تحولت أجساد النساء إلى أدوات حرب، واستخدم الاغتصاب كسلاح ممنهج لإرهاب السكان ودفعهم إلى النزوح الجماعي. هذه الجرائم، التي وثقتها الأمم المتحدة عبر شهادات مباشرة من الناجين، تضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي حقيقي، وتكشف عن هشاشة النظام العالمي في حماية المدنيين وقت النزاعات.
المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، وصف ما يحدث في الفاشر بأنه "كان متوقعًا وكان يمكن منعه"، مشيرًا إلى عمليات قتل جماعي، إعدامات قبلية، عنف جنسي واسع النطاق، واعتقالات تعسفية. أما هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فقد أكدت أن النساء الفارات من المدينة أبلغن عن اغتصاب ممنهج واختفاء أطفالهن، في مشهد قالت عنه المديرة الإقليمية آنا موتافاتي: "أهوال لا ينبغي لأحد أن يتحملها".
الصور القادمة من الفاشر تُظهر واقعًا مرعبًا: نساء يُغتصبن أمام أسرهن، يُحتجزن لأيام في ظروف ترقى إلى التعذيب، ويُستخدمن كسلاح لإذلال المجتمعات المحلية. أحد أعضاء الفريق الأممي أُصيب خلال زيارة ميدانية، ما يعكس خطورة الوضع على الأرض.
هذه الجرائم لا تحدث في فراغ، بل في ظل غياب شبه كامل للمحاسبة، وتواطؤ ضمني من أطراف دولية تكتفي بالإدانة دون تحرك فعلي. ورغم تشكيل لجان تحقيق، فإن القادة العسكريين أنفسهم يعترفون بوقوع "تجاوزات"، دون أن تُترجم هذه الاعترافات إلى إجراءات ملموسة.
النازحون من الفاشر يعيشون اليوم في ظروف إنسانية قاسية، وسط انتشار الأمراض، وانهيار الخدمات الصحية، وشح الوقود والمياه النظيفة. ومع ذلك، لا تزال الاستجابة الدولية محدودة، ولا تزال أجساد النساء تُستباح في صمت، وكأنها لم تعد تملك حق الحماية أو الكرامة.
في ظل هذا الواقع، يبرز سؤال فلسفي مرير: هل فقد العالم قدرته على الغضب؟ وهل باتت الفظائع تُقاس بعدد المشاهدات لا بعدد الضحايا؟ يبدو أن الفاشر ليست مجرد مدينة منكوبة، بل مرآة تعكس عجزنا الجماعي عن مواجهة الشر حين يتجسد في أبشع صوره.
الأقسام الرئيسية
الأكثر مشاهدة من نفس التصنيف
الرأي الأخر
0